كيف يخزن الطلاب ويتذكرون ما تعلموه ؟ ما يدعو للدهشة هوانه لا يوجد مكان تخزين ملفات في المخ ، ولا يوجد أرشيف لذكرياتنا محدد بالأرقام ،أو أي نظام آخر . فالعملية أكثر تعقيداً وشمولية مما نتخيل .
كيفية تشكيلا لذكريات :
1. نفكر ونشعر ونتحرك ، ونعيش خبرات الحياة (تحفيزالحواس)
2. كل الخبرات يخزنها المخ .
3. يتم ترتيب أولويات الخبراتحسب القيمة والمعنى ، وفائدتها لعمليات وأجهزة المخ .
4. يتم تنشيط عدةخلايا عصبية فردية .
5. تنقل الخلايا العصبية المعلومات للخلايا العصبيةالأخرى من خلال التفاعلات الكهربائية والكيميائية .
6. تلك الترابطات تصبحأقوى بالتكرار ، والراحة ، والانفعالات بحيث تتحول إلى ذكريات دائمة .
كيفتعمل الذاكرة ؟
من المهم أن نفكر في ( عملية التذكر ) بدلاً من مكان تخزينالذكريات عندما نتناقش حول الذاكرة . يقول عالم الأعصاب د. " دانيال شاكتر " (1996) إن النظم والمواقع المتعددة للذاكرة في المخ هي المسئولة عن التعلم والتذكر. ويوضحبحثه أن مهام التعلم المختلفة تتطلب طرقاً مختلفة لتخزين واستدعاء المعلومات .
ويؤكد الباحثون على أن عملية استدعاء المعلومات هي ما ينشط الخلاياالعصبية الخامدة لتحفيز الذكريات . ويقولون إنك لا تستطيع الفصل بين الذاكرةوالاستدعاء – أي أن الذاكرة تتحدد بنوع عملية الاستدعاء التي يتم تنشيطها . فكل نوعمن التعلم يلزمه نوعه الخاص من التنشيط . وعندما يتم تحفيز عدد كاف من الخلاياالعصبية ، وتتلاحم بالطريقة المناسبة ،يحدث الاستدعاء الناجح . وفي الأنماط الأكبر، يمكن تنشيط مجالات بأكملها من الخلايا العصبية . على سبيل المثال ، بعد سماع كلمة "مدرسة " تنشط مئات الدوائر العصبية مما يحفز " ما يشبه العاصفة الرعدية في المخ " . وهذا يرجع لوجود العديد من الترابطات والخبرات التي لدى معظمنا عن هذا الموضوع .
وتقول إحدى النظريات أن الذكريات عبارة عن أنماط جامدة تنتظر الإشارةالملائمة لكي تظهر ، مثل الطريق المليء بالمطبات الذي لا يصدر أي صوت إلا بعد أنتسير السيارة عليه . ويقول عالم الأعصاب " ويليام كالفين " (1996) إن ذكرياتنامخزنة في أمخاخنا في انتظار حدوث الاستدعاء الملائم لها ، وتتعاقب طلبات استدعاءالذكريات على المخ بصورة متوالية إلى أن يتم فتح " الباب السحري " للذاكرة ، ويتماستدعاء الفكرة ، أو الذكرى المختزنة .وتلك النظرية قد توفر تفسيراً لتذكر الطالبللإجابة لسؤال ما بعد انتهاء الاختبار ، بينما لم يستطع تذكرها في لحظة الاختبار . وقد يستغرق تنشيط ذاكرتنا وقتاً طويلاً – وخاصة إذا كان هناك ضغط شديد .
مكان الذكريات في المخ :
لا توجد منطقة واحدة مسئولة وحدها عنالذاكرة . فمعظم الذكريات منتشرة بتوزيع متساو عبر اللحاء . وتلك الإستراتيجية التيتعتمد على " الانتشار " توضح لماذا قد يفقد المرء 20% من اللحاء ، ويحتفظ بذاكرةجيدة ، ولماذا يتذكر الطالب شيئاً ما جيداً مثل الإحصائيات الرياضية ، ولا يتذكرأشياء أخرى مثل الأسماء والوجوه .
وتخزن ذكريات الأصوات في اللحاء السمعي . أما ذكريات الأسماء وأسماء الأعلام والضمائر فتخزن في الفص الصدغي . وتنشط لوزةالمخيخ لتسجيل الأحداث الانفعالية الخفية السلبية . أما العقد الأساسية فتسجلالمهارات المكتسبة بالتعلم . والمخيخ يلعب دوراً حيوياً لتكوين الذاكرة الترابطية ،وخاصة عندما يتدخل التوقيت الدقيق مثلما هو الحال في تعلم المهارات الحركية . وقدوجد الباحثون أن منطقة " قرن آمون " داخل المخ تنشط لتكوين الذكريات الواضحةوالمكانية مثل التحدث ، والقراءة ، وتذكر أي شيء عن حدث انفعالي .
عندمايجول بخاطرك فكرة ما ، وتسمع صوتك الداخلي ، أو تستدعي صورة ما ، أو موسيقى محددة ،أو لوناً في ذهنك ، فأنت تعيد بناء الذكرى الأصلية . ويشكل مخك خليطاً متجانساً منالعناصر المتنوعة للخبرة التي تتذكرها فوراً . وهذا يعني انك تتذكر الشيء لمرةواحدة : بعد ذلك تتذكر الذكرى فقط ! وبمرور الوقت تتغير صور تلك الذكرى، لأنهاتتشكل بصور عديدة ، والتي قد تبتعد شيئاً فشيئاً عن حقيقة الحدث . وتستغرق إعادةالتشكيل الفورية للحدث الأصلي جزءاً من الثانية ( عادة ) وهي بمثابة عمل الفريقالتطوعي للإطفاء : فعندما لا يوجد جهاز مركزي للإطفاء وتندلع النيران ، يتجمعالمتطوعون سريعاً من عدة أماكن لإطفائها . وهكذا نجد أن الذاكرة على أتم الاستعدادللاستدعاء في أي وقت ليلاُ أو نهاراً .
وتوجد نظريتان لتفسير حدوث تلكالعملية المعجزة . إحداهما أن لدينا " فهارس " تحتوي على التعليمات ( وليس المحتوى ) للمخ عن كيفية إشعال وتذكية المحتوى . وتلك المناطق كما سماها (" داماسيو " 1994 ) هي " مناطق التجمع " والتي توحد أجزاء ذكرى ما أثناء عملية الاستدعاء . ولعقدالمقارنة الإيضاحية ، تخيل أن الذاكرة الدلالية تعمل مثل آلية " التصنيع في الحال " : أي مثلاُ أنها تشكل " سيارة في الحال " في مكان تخزين أجزاء السيارات حسب الطلب – وهي عملية مدهشة وغير مألوفة حيث تشمل تجميع الأجزاء التي يمكن استخدامها فيالسيارة أولاُ ، ثم البدء في تشكيلها بعد ذلك . وبالنسبة لاستدعاء أي شيء نلفظه ،توجد فهارس ذهنية تساعدنا على العثور على الكلمة التي نريدها . فكلمة مثل " الفصل " ترتبط غالباً بأشياء مثل المدرسة ، والتعلم ، والأطفال ، والمعلم ، والناظر . واللغة مثال قديم لقدرة المخ على استدعاء وتذكر مئات الكلمات في غضون ثوان ، لتجميععبارة عادية . وتوضح هذه النظرية السبب في انه عندما نحاول قول أي شيء ، تخرج منأفواهنا كلمة مألوفة أخرى ( قريبة مما نريده ، ولكن قوية ).
ما الجهدالكهربائي البعيد المدى ؟
هذا هو المصطلح الذي يطلقه العلماء على العمليةالجزيئية التي تشكل الذكريات الواضحة . تلك العملية عبارة عن تغير سريع في قوةالترابطات العصبية نتيجة الاستثارة والتحفيز ، فقد اكتشف د. "سوزومو تونجاوا " الحاصل على جائزة نوبل (1995) أن الجهد الكهربائي بغيد المدى يحدث من جانب الجينات، والتي تحفز سلسلة من الخطوات المعقدة المتتالية .
وفي نفس الوقت حدد فريقعالم الأعصاب " إيريك كاندل " من جامعة " كولومبيا "( 1992 ، 1994 ) جزيئاً أساسياًيؤثر في الخلايا العصبية ، ويدعى " كريب " وهو يرشدها إما إلى تخزين المعلومات فيذاكرة المدى الطويل أو القصير . ويقول د. " جيري ين " وزملاؤه من معمل " كولدسبرينج هاربر " ( 1995 ) إن تنشيط جزيء " كريب " في ذبابة الفاكهة يمنحها ذاكرةفوتوغرافية وقدرة على التذكر بعد أول محاولة على الرغم من أن ذلك في العادة يستلزمعدة محاولات . ويعتقد الباحثون أن الطبقة الخاصة بالذاكرة تنشط عند حدوث تغييرات فيالخلايا العصبية ، وهذا يعني أن الذكرى مرهونة بنشاط الخلايا العصبية بطريقة محددة .
المواد الكيميائية التي تؤثر على الذاكرة :
إن الكثير من المركباتذات الوحدات والجزيئات تحسن أو تكبت التذكر أثناء وقت التعلم . ويعتقد الباحثون أننقص الكالسيوم من أسباب فقدان الذاكرة لدى كبار السن . كما أن الناقل العصبي " النوربينفرين " مرتبط بالذكريات الخاصة بالتوتر . وقد عرف مؤخراً أن فيتامين ( أ- A ) يساعد على تكوين الذاكرة فمادة " الفينيلالانين " الذي توجد في منتجات الألبانتساعد على إنتاج مادة " النوربينفرين " المرتبطة بالتيقظ والانتباه . ومادةالأدرينالين تعمل على تثبيت وترسيخ الذاكرة ، وحفظ الذكريات للأحداث المثيرة أوالمؤلمة نفسياً وعصبياً . ويستخدم المخ الناقل العصبي " أستيل كولين " لتكوين ذاكرةالمدى الطويل . والمستويات العالية لهذا الناقل العصبي تؤدي إلى حدوث التذكر بشكلأفضل . وعنصر " الليثين " في البيض والسلمون واللحم البقري الخالي من الدهون هومصدر غذائي يرفع مستوى " الكولين " ، وينهض بالقدرة على التذكر في عدة تجارب متكررة . وتوضح الدراسات أن وجود السكر العادي في مجرى الدم يحسن الذاكرة .
الموادالكيميائية التي تؤثر على الذاكرة:
أستيل كولين ، أدرينالين،النوربينفرين،فينيلالانين ، ليثين
ويفترض العلماء أن كيمياء الجسم ( التي تنظم الحالةالفسيولوجية ) عنصر مهم جدا ً في عملية الاستدعاء . فالتعلم المكتسب في ظل حالةمحددة ( السعادة ، الحزن ، التوتر ، الاسترخاء ، … إلخ ) يمكن استدعاؤه بسهولة فيظل نفس الحالة . وتلك الظاهرة تجعل الاستدعاء والتذكر أفضل عندما يكون الطالب فينفس الحالة . وتلك الظاهرة تجعل الاستدعاء والتذكر أفضل عندما يكون الطالب في نفسالحالة أثناء الاختبار أو التقييم ، بل إنه حتى إذا تناولت قطعة من الشيكولاتهأثناء التعلم سيحدث التذكر أثناء الاختبار بصورة أفضل إذا تناولت قطعة مماثلة . ولكن من الناحية الواقعية يعد هذا جزءاً من الصورة الكبيرة لعملية التذكر .
الذاكرة تعتمد على حالة الفرد :
يؤكد عالم النفس " جوردون باور " وزملاؤه من جامعة " ستانفورد " (1990 و 1992 ) أن كل حالة انفعالية وجسدية وذهنيةتربط المعلومات بها . أي أن حالات مثل التوتر ، والقلق ، والفضول ، والاكتئاب ،والمتعة ، والثقة تحفز أيضاً المعلومات التي تعلمناها أثناء وجودنا تحت ظل تلكالحالات .
ويقول " باور " : " وكان الحالتين تمثلان مكتبتين مختلفتين .أيسجل للذاكرة يمكن استعادته فقط بالرجوع لتلك الحالة الفسيولوجية التي حدث بها تخزينالمعلومات لأول مرة ". أي أن الطالب يسمع الدرس أثناء الاستماع لموسيقى " الباروك " مثلاً سيؤدي في الاختبار أفضل إذا سمع نفس المقطوعة الموسيقية في وقت الاختبار .
تطبيقات عملية :
· سهِّل إيجاد المراجعات والملخصات التي تخاطبالحواس الخمس .
· شجِّع المناقشات حول مشاعر وانفعالات الطلاب إزاء التعلمالجديد .
· اجعل الطلاب يدرجون التعلم الجديد بطريقة أو بأخرى في حياتهمالشخصية .
· استخدم القصص المصورة الكبيرة التي تعلق على الحائط على شكلشريط لإيضاح الأفكار الرئيسية .
· سجل شريط فيديو أو كاسيت للدرس ، وكلماأكثرت من عمل ذلك كان ذلك أفضل .
· استخدم الكلمات التذكيرية لربط الأرقامأو الصور بالفكرة لتسهيل عملية التذكر .
· قم بتأليف أغنية أو تعديل أغنيةبكلمات من الدرس الجديد .
إن مكان وكيفية التعلم لهما أهمية للمخ تماثلأهمية ما نتعلمه في حد ذاته ، لماذا ؟ لان نجاح استدعاء الذاكرة يعتمد كثيراً علىالحالة ، وعلى الوقت ، والسياق . وفي تجارب على الألوان والمواقع والحركة ، تشيرالنتائج إلى أن السياق يلعب دوراً مهماً في التعلم وبالتالي في التذكر . أي انك إذاتوقفت ولاحظت ظروف تعلمك سيكون بالتالي من الأسهل تحفيز التذكر .
وتوضحالأبحاث أن السياق مهم جداً لذاكرة الأطفال الصغار ( " أمابيل " و " روفي كولير " 1991 ) " بولر "، و " روفي كولير " 1992، " هاين " و " روفي كولير " و " بورزا " 1991 ) .
وفي تلك الدراسات اتضح أن الرضع يتذكرون الوجوه والأصوات بشكل أفضلعندما يتم تكرار نفس الإشارات في نفس المكان والسياق . فكل حالة فسيولوجية هي عبارةعن لحظة زمنية تجمع بين عنصرين – ظروف الجسم / العقل ( الاستثارة والمشاعروالانفعالات ) والظروف السياقية ( المناظر والأصوات والمواقع ) وبالتالي فإنالمذاكرة المركزة قبل الاختبار تمثل مشكلة . فإذا كان طلابك يذاكرون في حالة تيقظمن اثر تناول القهوة ، أو أي مثير آخر لكي يظلوا متيقظين ، ولم يفعلوا ذلك لمحاكاةنفس الحالة وقت الاختبار ، فقد يكون أداؤهم اقل من قدراتهم .
هل جربت يوماً سماع أغنيتك المفضلة لتجد نفسك وقد راودتك ذكرى معينة مرتبطة بها ؟ هل قررت من قبل انك تريد شيئاً ما من مكان ما ، وعند وصولك إليه لم تعد تتذكر ما تريده ، فتعود للمكان الذي تتواجد فيه ، وتتذكر ما تريده ؟ كل تلك أمثلة للإشارات السياقية للذاكرة .
ماذا يعني هذا بالنسبة لك ؟
يكون لدى الكثير من الطلاب استيعاب كبير للمادة إلا أن هذا الاستيعاب قد لا يظهر عند هؤلاء الطلاب . فإذاذاكروا يتوتر قليل ، ولكن ، ولكن ازداد التوتر أثناء وقت الاختبار فإن قدرة المخ على التذكر مقارنة تقل بتطابق الحالات الفسيولوجية . ونظراً لتباين شخصيات وعقول الطلاب ، يدعو التعلم المبني على المخ إلى تقييم الطلاب بعدة طرق مختلفة ومتنوعة باستخدام أدوات مثل ملف أعمال السنة ، والاختبارات القصيرة ، والمشاريع الدراسيةوالتقييمات والاختبارات التي تراعي أهداف التعلم المتعددة ، مع التركيز على مستويات الذكاء المتعددة
والطلاب الذين نظنهم كسالى ، في واقع الأمر يتذكرون فقط مايستطيعون تذكره ليس أكثر . فليس لمجرد أن هناك طالباً لا يمكنه تذكر الأسماءوالتواريخ فإن ذلك يعني بالضرورة انه سيتذكر قصائد الشعر مثلاً . يتم التعلم بسبل مميزة ومختلفة ، وإذا لم تتمكن من استرجاع التعلم بإحدى الطرق ، فقد تتمكن من ذلك عن طريق مسار آخر .