بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الفاتح الخاتم الناصر الهادي إلى صراط الله المستقيم,
وعلى آله حق قدره مقداره العظيم...
أما بعد.. خلق الله الخلق متفاوتين في حقائقهم وفي ذواتهم؛
فمنهم الغاية في جودة الجوهر, ومنهم المتوسط ومنهم الكدِر, وفي كل مرتبة درجات, فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم الغاية؛
خُلِقت أبدانهم سليمةً من العيب فصلحت لحلول النفس الكاملة..
ثمّ
يتفاوتون, فكان نبينا صلى الله عليه وسلم أصلح الأنبياء مزاجاً وأكملهم
بدناً وأصفاهم روحاً, ولذلك كان من تمام الإيمان به صلى الله عليه وسلم
الإيمانُ بأنّ الله تعالى جعل خَلْق بدنه الشريف على وجه لم يظهر قبله ولا
بعده خَلْق آدمي مثله,
فيكون ما يُشاهَد من خَلْق بدنه آيات على ما يتضح
من عظيم خُلُق نفسه الكريمة, وما يتضح من أخلاق نفسه الكريمة آيات على ما
تحقق له من سرّ قلبه المقدّس صلى الله عليه وسلم.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لم أرَ شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت أم معبد رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب.
وقال
جابر بن سمرة رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ
إضحيان وعليه حُلّة حمراء فجعلت أنظر إليه والقمر فلهو في أحسن في عيني من
القمر.
وقال البراء رضي الله عنه: ما رأيت من ذي لِمّة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت امرأة حجّت معه تصفه: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقالت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضي الله عنها: لو رأيته لقلت الشمس طالعة.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئا قط أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّ الشمس تجري وفي لفظ: تخرج من وجهه.
وقال
ابن عباس رضي الله عنهما: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شمس قط
إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس؛ ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه ضوء السراج.
لمَ لا يضيئ بك الوجود وليله فيه صباح من جمالك مسفر
فبشمس حسنك كل يوم مشرق وببدر وجهك كل ليل مقمر
قال
العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم في يوسف عليه السلام: "أُعطِي شطر
الحسن" يتبادر إلى أفهام بعض الناس أنّ الناس يشتركون في الشطر الآخر, وليس
كذلك؛ بل المراد أنه – أي يوسف عليه السلام – أُعطِي شطر الحسن الذي أوتيه
نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها, ويدل له حديث
أنس رضي الله عنه قال: ما بعث الله نبيا إلا حَسَن الوجه حَسَن الصوت؛
وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وصوتاً.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما طاقت أعيننا رؤيته.
فهو الذي تمّ معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
منزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وعلى تفنّن واصفيه بمدحه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون أبيض كأنّما صِيغ من فضة مشرباً بحمرة ظاهر الوضاءة أنور المتجرَّد.
أهديت
له شملة سوداء فلبسها وقال: كيف ترينها عليّ يا عائشة؟ قالت: ما أحسنها
عليك يا رسول الله يشوب سوادُها بياضَك وبياضُك سوادَها.
كان صلى الله عليه وسلم عظيم الرأس رجل الشعر وفرة ولِمّة وجُمّة, وكان صلى الله عليه وسلم شديد سواد الرأس واللحية.
قال
خالد بن الوليد رضي الله عنه: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق
رأسه؛ فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة
فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رُزِقت النصر.
وكانت أم سلمة رضي الله
عنها إذا أصاب الناس عينٌ أو شيء بُعِث إليها بقدح من ماء فجاءت بجلجل من
فضة فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي فجعلت الماء فيه ثم
ردته إلى من به عين أو شيء.
وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين دقيق الحاجبين سوابغ في غير قرن بينهما عِرْقٌ يُدِرّه الغضب.
إذا
طلع جبينه من بين الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس تراءى جبينه
كأنه السراج المتوقد يتلألأ؛ وكانوا يقولون: هو صلى الله عليه وسلم.
متى يبد في الليل البهيم جبينه يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من قد يكون كأحمد نظاماً لحق أو نكالاً لملحد
كان
صلى الله عليه وسلم شديد سواد حدقة العين في شدة بياض ما حولها بياضاً
مشرباً بحمرة؛ واسع العينين طويل شق العين؛ أكحل العينين؛ أهداب الأشفار –
أي طويل الرمش –
يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء.
يقول لأصحابه: إني لأنظر إلى ما وراء ظهري كما أنظر إلى أمامي.
كما كان يرى في الثريا أحد عشر نجما.
وكان صلى الله عليه وسلم تامّ الأذنين؛ يسمع ما لا يسمع الحاضرون.
يقول: إني لأرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون.
وكان صلى الله عليه وسلم أقنى العرنين دقيق الأنف له نور يعلوه, أسيل الخدين أبيضهما.
وكان صلى الله عليه وسلم أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم.
وكان صلى الله عليه وسلم حسن الثغر ضليع الفم – أي واسع الفم – مُفَلّج الأسنان برّاق الثنايا يَفْتَرُّ عن مثل حَبِّ الغمام.
قال
أنس رضي الله عنه: شممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من رسول الله صلى
الله عليه وسلم, أُتِي بدلوٍ من ماء فشرب من الدلو ثم صبّ في البئر ففاح
منها مثل رائحة المسك.